الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
1489 - (اللّهم إني أعوذ بك من العجز) بسكون الجيم سلب القوة وتخلف التوفيق إذ صفة العبد العجز وإنما يقوى بقوة يحدبها اللّه فيه فكأنه استعاذ به أن يكله إلى أوصافه فإن كل من رد إليها فقد خذل (والكسل) التثاقل والتراخي مما ينبغي مع القدرة أو هو عدم انبعاث النفس لفعل الخير والعاجز معذور والكسلان لا ومع ذلك هو حالة رؤية ولو مع عذر فلذا تعوذ منه (والجبن) بضم فسكون الخور عن تعاطي الحرب خوفاً على المهجة وإمساك النفس والضن بها عن إتيان واجب الحق (والبخل) منع السائل المحتاج عما يفضل عن الحاجة (والهرم) كبر السن المؤدي إلى تساقط القوى وسوء الكبر ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل والتخبط في الرأي وقال الموفق البغدادي: هو اضمحلال طبيعي وطريق للفناء ضروري فلا شفاء له (والقسوة) غلظ القلب وصلابته (والغفلة) غيبة الشيء عن البال وعدم تذكره واستعمل في تاركه إهمالاً وإعراضاً كما في قوله سبحانه - (ك والبيهقي في) كتاب (الدعاء عن أنس) قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول في دعائه اللّهم إلى آخره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي. 1490 - (اللّهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع ومن الجوع) الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة (فإنه بئس الضجيع) المضاجع لأنه يمنع استراحة البدل ويحلل المواد المحمودة بلا بدل ويشوش الدماغ ويثير الأفكار الفاسدة والخيالات الباطلة ويضعف البدن عن القيام بالطاعة والمراد الجوع الصادق وآيته أن تكتفي نفسه بالخبز بلا آدم ذكره كله القاضي. وقال الطيبي: خص الضجيع بالجوع لينبه على أن المراد الجوع الذي يلازمه ليلاً ونهاراً ومن ثم حرم الوصال ومثله يضعف الإنسان عن القيام بوظائف العبادات سيما قيام التهجد والبطانة بالخيانة لأنها ليست كالجوع الذي يتضرر به صاحبه فحسب بل هي سارية إلى الغير فهي وإن كانت بطانة لحاله لكن يجري سريانه إلى الغير مجرى الظهارة وسئل بعضهم كيف تمدح الصوفية بالجوع مع استعاذة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم منه فقال: إنما مدحوا الجوع المشروع لكونه مطلوباً للسالك ليخرج عن تحكم الشهوات البهيمية فيه فإذا خرج عنها نار هيكله وأدرك بالنور الحق والباطل وحينئذ يكون جوع مطيته الحاملة له إلى حضرة مولاه ظلم لها ونظيره الإيثار فإنه إنما مدح ليتخلص من ورطة الشره والحرص الكامن في طبعه وبخروجه لم يبق ما يخاف منه فيطالب حينئذ بالبداءة لنفسه لكونها أقرب جار إليه وإليه أشار بخبر ابدأ بنفسك وأنشدوا في مدح الجوع في أول السلوك. الجوع موت أبيض * وهو من أعلام الهدى * ما لم يؤثر خلا فهو دواء هودا * فاحكم به تكن به * موقفاً مسدداً [ص 124] وأنشدوا في ذم الجوع غير المشروع: جوع العوائد محمود فلست أرى * فيما أراه من استعماله بأساً الجوع بأس ضجيع العبد جاء به * لفظ النبي فلا ترفع به رأساً جوع الطبيعة مذموم وليس يرى * فيه المحقق بالرحمن إيناساً أي جوع الأكابر اضطرار لا اختيار لوجوب العدل عليهم في رعاياهم حتى انقادت ولم يكن الجوع مطلوباً لها إلا حال عتوها وأنفتها عن الطاعة فهو كان عقوبة لها من باب (اللّهم إنا نسألك) أي نطلب منك ونتضرع إليك (قلوباً أواهة) أي متضرعة أو كثيرة الدعاء أو كثيرة البكاء (مخبتة) أي خاشعة مطيعة متواضعة (منيبة) راجعة إليك بالتوبة مقبلة عليك (في سبيلك) أي الطريق إليك. (اللّهم إنا نسألك عزائم مغفرتك) حتى يستوي المذنب التائب والذي لم يذنب قط في منال رحمتك (ومنجيات أمرك) أي ما ينجى من عقابك ويصون عن عذابك (والسلامة من كل إثم) معصية (والغنيمة من كل بر) بكسر الباء خير وطاعة (والفوز بالجنة والنجاة من النار) عذابها وسبق أن هذا مسوق للتشريع وفيه دليل على ندب الاستعاذة من الفتن ولو علم المرء أنه يتمسك فيها بالحق لأنها قد تفضي إلى وقوع ما لا يرى بوقوعه. قال ابن بطال: وفيه رد للحديث الشائع لا تستعيذوا باللّه من الفتن فإن فيها حصاد المنافقين. قال ابن حجر: قد سئل عنه قديماً ابن وهب فقال إنه باطل. - (ك) في الدعاء (عن ابن مسعود) وقال صحيح الإسناد، قال الحافظ العراقي: وليس كما قال إلا أنه ورد في أحاديث جيدة الإسناد. [ص 125] 1491 - (اللّهم اجعل أوسع رزقك) هو نوعان ظاهر للأبدان كالقوت وباطن للقلوب والنفوس كالمعارف ويرشح الأول قوله (عليّ عند كبر سني وانقطاع عمري) أي إشرافه على الانقطاع والرحيل من هذه الدار فإن الإنسان عند الشيخوخة قليل القوة ضعيف الكد عاجز عن السعي فإذا وسع اللّه عليه رزقه حين ذلك كان عوناً له على العبادة. - (ك) عن سعدوية عن عيسى بن ميمون عن القاسم (عن عائشة) قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكثر هذا الدعاء اللّهم إلى آخره قال الحاكم حسن غريب ورده الذهبي بأن عيسى متهم أي بالوضع ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه نعم رواه الطبراني بسند قال فيه الهيثمي إنه حسن وبه تزول التهمة. 1492 - (اللّهم إني أسألك العفة) بالكسر العفاف يعني التنزه عما لا يباح والكف عنه (والعافية في دنياي وديني) ويندرج تحته الوقاية من كل مكروه (وأهلي ومالي اللّهم استر عورتي) أي عيوبي وخللي وتقصيري والعورة سوءة الإنسان وكل ما يستحيي من ظهوره وهذا وما أشبهه تعليم للأمة (وآمن روعتي) من الروع بالفتح الفزع وفي رواية عوراتي وروعاتي بلفظ الجمع وفيه من أنواع البديع جناس القلب (واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك) وفي رواية وأعوذ بعظمتك (أن أغتال) بضم الهمزة أي أهلك. قال الراغب: الغول إهلاك الشيء من حيث لا يحس به (من تحتي) أي أدهى من حيث لا أشعر بخسف أو غيره استوعب الجهات الست بحذافيرها لأن ما يلحق الإنسان من نحو نكبة وفتنة إنما يصله من أحدها وتخصيص جهة السفل بقوله وأعوذ بعظمتك إلى آخره إدماج بمعنى قوله تعالى - (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه يونس بن حبان وهو ضعيف انتهى. وظاهر صنيع المؤلف أنه لا يوجد في أحد دواوين الإسلام الستة وإلا لما عدل عنه وهو تقصير أو قصور فقد خرجه أبو داود وابن ماجه وكذا الحاكم وصححه من حديث ابن عمر قال لم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح انتهى فاقتصار المصنف على البزار خلاف اللائق. 1493 - (اللّهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبي) أي يلابسه ويخالطه فإن الإيمان إذا تعلق بظاهر القلب وأحب الدنيا والآخرة وإذا بطن الإيمان سويد القلب وباشره أبغض الدنيا فلم ينظر إليها ذكره حجة الإسلام (حتى أعلم) أجزم وأتيقن (إنه لا يصيبني إلا كتبت لي) أي قدرته علي في العلم القديم الأزلي أو في اللوح المحفوظ (ورضني من المعيشة بما قسمت لي) أي وأسألك أن ترزقني الرضا بالذي قسمته لي وفي نسخة ورضني بما قسمت لي أي أعطني الرضا بما قسمت لي من الرزق فلا أسخطه ولا أستقله. قال الشاذلي: من أجل مواهب اللّه الرضا بمواقع القضاء والصبر عند نزول البلاء والتوكل على اللّه عند الشدائد والرجوع إلى اللّه عند النوائب فمن خرجت له هذه الأربع من خزائن الأعمال على بساط المجاهدة فقد صحت ولايته للّه ورسوله والمؤمنين قال ابن عربي: لا يلزم الراضي بالقضاء الرضا بالمقضي فالقضاء حكم اللّه وهو الذي أمرنا بالرضا به والمقضي المحكوم به فلا يلزم الرضا به. - (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي وفيه أبو مهدي سعيد بن سنان وهو ضعيف الحديث. 1494 - (اللّهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك) من الخلة الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فملأته (دعاك لأهل مكة) علم للبلد الحرام ومكة وبكة لغتان (بالبركة) بقوله - (ت عن علي) أمير المؤمنين ورواه أيضاً عن أبي قتادة قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. 1495 - (اللّهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حراماً وإني حرمت المدينة) أي جعلتها حراماً (ما بين مأزميها) تثنية مأزم بالهمز وزاي مكسورة الجبل أو المضيق بين الجبلين وحرمتها (أن لا يراق فيها دم) أي لا يقتل فيها آدمي معصوم بغير حق (ولا يحمل فيها سلاح لقتال) عند فقد الاضطرار (ولا تخبط) أي تضرب (فيها شجرة) قال في الصحاح: خبط الشجرة ضربها بالعصى ليسقط ورقها (إلا لعلف) بسكون اللام ما تأكله الماشية. (اللّهم بارك لنا في مدينتنا) أي أكثر خيرها (اللّهم بارك لنا في صاعنا) أي فيما يكال بصاع مدينتنا (اللّهم بارك لنا في مدنا) أي فيما يكال به ثم يحتمل كون البركة دينية وتكون بمعنى الثبات أي ثبتنا في أداء حقوق الحق المتعلقة بهذه المقادير وكونها دنيوية وتكون بمعنى الزيادة حيث يكفي المد لمن لا يكفيه في غيرها ويحتمل الأمران معاً. (اللّهم اجعل مع البركة) التي في غيرها (بركتين) فيها فتصير البركة فيها مضاعفة (والذي نفسي بيده) أي بتقديره وتدبيره (ما من المدينة شعب) بكسر الشين فرجة نافذة بين جبلين (ولا نقب) بفتح النون وسكون القاف طريق [ص 127] بين جبلين (إلا عليه ملكان) بفتح اللام (يحرسانها) من العدو (حتى تقدموا إليها) أي من سفركم هذا وكان هذا القول حين كانوا مسافرين للغزو وبلغهم أن بعض الطوائف يريد الهجوم عليها أو فعل وتمسك بهذا الخبر وما قبله من ذهب إلى تفضيل المدينة على مكة وقال: التضييق شامل للأمور الدينية أيضاً. - (م عن أبي سعيد) الخدري. 1496 - (اللّهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم) أي ما يأثم به الإنسان أو ما فيه أو ما يوجب الإثم أو الإثم نفسه وضعاً للمصدر موضع الاسم (والمغرم) أي مغرم الذنوب والمعاصي أو هو الدين فيما لا يحل أو فيما يحل لكن يعجز عن وفائه أما دين احتاجه وهو يقدر على أدائه فلا استعاذة منه أو المراد الاستعاذة من الاحتياج إليه واستعاذته تعليم لأمته وإظهار للعبودية والافتقار وفي حديث صحيح قال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم يا رسول اللّه قال: الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف (ومن فتنة القبر) التحير في جواب منكر ونكير (وعذاب القبر) عطف عام على خاص فعذابه قد ينشأ عنه فتنة بأن يتحير فيعذب لذلك وقد يكون لغير ما كان يجيب بالحق ولا يتحير ثم يعذب على تفريطه في بعض المأمورات أو المنهيات كإهمال التنزه عن البول (ومن فتنة النار) سؤال خزنتها وتوبيخهم كما يشير إليه (اللّهم اغسل) أزل (عني خطاياي) أي ذنوبي لو فرض أن لي ذنوباً (بالماء والثلج والبرد) بفتحتين حب الغمام جمع بينهما مبالغة في التطهير أي طهر بي منها بأنواع مغفرتك وخصها لأنها لبردها أسرع لإطفاء حر عذاب النار التي هي غاية الحر وجعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها سببها فعبر عن إطفاء حرها بذلك وبالغ باستعمال المبردات مترقياً عن الماء إلى أبرد منه وهو الثلج ثم إلى أبرد منه وهو البرد بدليل جموده ومصيره جليداً والثلج يذوب (ونق) بفتح النون وشد القاف (قلبي) الذي هو بمنزلة ملك الأعضاء واستقامتها باستقامته (من الخطايا) تأكيد للسابق ومجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها (كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس) بفتح الدال والنون أي الوسخ وفي رواية لمسلم من الدرن (وباعد) أي أبعد وعبر بالمفاعلة مبالغة (بيني وبين خطاياي) كرر بين هنا دون ما بعده لأن العطف [ص 128] على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض أي ذنوبي والخطىء بالكسر الذنب (كما باعدت) أي كتبعيدك (بين المشرق) موضع الشروق وهو مطلع الأنوار (والمغرب) أي محل الأفول وهذا مجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان أي امح ما حصل من ذنوبي وحل بيني وبين ما يخاف من وقوعها حتى لا يبقى لها اقتراب مني بالكلية فما مصدرية والكاف للتشبيه وموقع التشبيه أن إلتقاء المشرق والمغرب محال فشبه بعد الذنب عنه ببعد ما بينهما والثلاثة إشارة لما يقع في الأزمنة الثلاثة فالمباعدة للمستقبل والتنقية للحال والغسل للماضي والنبي معصوم وإنما قصد تعليم الأمة أو إظهار العبودية. - (ق) في الدعوات (ت) بتقديم وتأخير (ن ه) مختصراً كلهم (عن عائشة) وخرجه الحاكم بزيادة. 1497 - (اللّهم إني أسألك من الخير كله عاجله وأجله ما علمت منه وما لم أعلم) الآجل على فاعل خلاف العاجل في الصحاح الآجل والآجلة ضد العاجل والعاجلة (وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم) هذا من جوامع الكلم والدعاء وأحب الدعاء إلى اللّه وأعجبه إليه الجوامع. قال الراغب: وفيه تنبيه على أن حق العاقل أن يرغب إلى اللّه أن يعطيه من الخيور ما فيه مصلحته مما لا سبيل بنفسه إلى اكتسابه وأن يبذل جهده مستعيناً باللّه في اكتساب ماله كسبه نافقاً عاجلاً وآجلاً ومطلقاً وفي كل حال وفي كل زمان ومكان قال: والخير المطلق هو المختار من أجل نفسه والمختار غيره لأجله وهو الذي يتشوفه كل عاقل. (اللّهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك اللّهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل) قال الحليمي: هذا من جوامع الكلم التي استحب الشارع الدعاء بها لأنه إذا دعا بهذا فقد سأل اللّه من كل خير وتعوذ به من كل شر ولو اقتصر الداعي على طلب حسنة بعينها أو دفع سيئة بعينها كان قد قصر في النظر لنفسه (وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيراً) لا يعارضه الخبر الآتي عجباً للمؤمن لا يقضي اللّه له قضاء إلا كان له خيراً لأن المراد هنا طلب دوام شهود القلب أن كل واقع فهو خير وينشأ عن ذلك الرضا ومن جعل الرضا غنيمته في كل كائن من أوقاته وافق النفس أو خالفها لم يزل غانماً بما هو راض بما أوقع اللّه له وأقام من حكمته - (ه) عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يا عائشة بالجوامع الكوامل قولي اللّهم إلى آخره ورواه عنها أيضاً البخاري في الأدب وأحمد والحاكم وصححه. 1498 - (اللّهم إني أسألك باسمك الطاهر) الأنفس الأقدس المنزه عن كل عيب ونقص (الطيب) النفيس. قال الزمخشري: تقول صائد مستطيب بطلب الطيب النفيس من الصيد ولا يرضى بالدون وفي الصحاح الطيب ضد الخبيث (المبارك) أي الزائد خيره والعميم فضله (الأحب إليك) من سائر الأسماء (الذي إذا دعيت به أجبت) الداعي إلى ما سأله [ص 129] (وإذا سئلت به أعطيت) السائل سؤله (وإذا استرحمت به) أي طلب أحد منك أن ترحمه وأقسم عليك به (رحمت) أي رحمته (وإذا استفرجت به) أي طلب منك الفرج (فرجت) عمن استفرج به ولم ترده خائباً وهذا خرج جواباً لسائل سأله أن يعلمه دعاءاً جامعاً يدعو به. - (ه عن عائشة) وبوب عليه باب اسم اللّه الأعظم. 1499 - (اللّهم من آمن بي وصدقني) بما جئت به من عندك وهذا قريب من عطف الرديف (وعلم أن ما جئت به هو الحق من عندك فأقلل ماله وولده) لأن من كان مقلاً منهما يسهل عليه التوسع في عمل الآخرة والمتوسع في متاع الدنيا لا يمكنه التوسع في عمل الآخرة لما بينهما من التباين والتضاد ومن ثم قال ابن مسهر: نعمة اللّه علينا فيما زوى عنا من الدنيا أعظم من نعمته فيما بسط منها واللّه سبحانه لم يرض الدنيا أهلاً لعقوبة أعدائه كما لم يرضها أهلاً لإثانة أحبابه وإن كانت معجلة فقد تكون قساوة في القلب أو جموداً في العين أو تعويقاً عن طاعة أو وقوعاً في ذنب أو فترة في الهمة أو سلب لذة خدمة وذهب ابن عربي إلى أن المراد بإقلال ذلك وبإعدامه أو أخذه في رواية أخرى أخذ ذلك من قلبه مع وجوده عنده وأنه يؤثر حب اللّه على حب هؤلاء (وحب إليه لقاءك) أي حبب إليه الموت ليلقاك ومن أحب لقاء اللّه أحب اللّه لقاءه (وعجل له القضاء) أي الموت (ومن لم يؤمن بي ولم يصدقني ولم يعلم أن ما جئت به هو الحق من عندك فأكثر ماله وولده وأطل عمره) لتكثر عليه أسباب العقاب والمال والأهل بل والأعضاء حتى العين التي هي أعزها قد تكون سبباً لهلاك الإنسان في بعض الأحيان. قال الجنيد: إذا أحب اللّه عبداً لم يذر له مالاً ولا ولداً لأنه إذا كان ذلك له أحبه فتتشعب محبته لربه وتتجزأ وتصير مشتركة بين اللّه وغيره "واللّه لا يغفر أن يشرك به" وهو تعالى قاهر لكل شيء فربما أهلك شريكه وأعدمه ليخلص قلب عبده لمحبته وحده. وقال الحراني: خلق اللّه الدنيا دار بلاء فجعل التقلل منها رحمة وجعل الاستكثار منها نقمة. وقال الغزالي: كل ما يزيد على قدر القوت فهو مستقر الشيطان فإن من معه قوته فهو فارغ القلب فلو وجد مئة دينار مثلاً على الطريق انبعث من قلبه عشر شهوات تحتاج كل واحدة إلى مئة دينار فلا يكفيه ما وجده بل يحتاج إلى تسع مئة أخرى فقد كان قبل وجود المئة مستغنياً فالآن وجد مئة وظن أنه صار بها غنياً وقد صار محتاجاً إلى تسع مئة أخرى يشتري داراً يعمرها وجارية وأثاثاً وثياباً فاخرة وكل من ذلك يستدعي أشياء أخر تليق به وكل ذلك لا آخر له فيقع في هاوية آخرها عمق جهنم (تتمة) قال شيخنا العارف باللّه الشعراني: اعتقادنا أن الأولياء لو كان أهل الدنيا كلهم أولاد أحدهم أو مال أهل الدنيا كله ماله ثم أخذه اللّه دفعة واحدة ما تغيرت منهم شعرة بل يفرحون أشد الفرح. قال: وقد ذقنا ذلك فأحب ما إلى يوم يموت ولدي إظهار الرضا بالقضاء محبة للثواب. وقال النور المرصفي: ما أحد من الأولياء إلا ويقدم ما فيه رضا اللّه على نفسه فأحب ما إليه يوم موت ولده الصالح. بلغنا أن الفضيل بن عياض مكث ثمانين سنة لا يضحك إلا يوم مات ولده فإنه ضحك فقيل له فيه فقال: إن اللّه أحب أمراً فأحببته، ثم إن ذا لا يعارضه خبر البخاري أنه دعا لأنس بتكثير ماله وولده لأن فضل التقلل من الدنيا والولد يختلف باختلاف الأشخاص كما يشير إليه الخبر القدسي "إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى إلخ" فمن الناس من يخاف عليه الفتنة بها وعليه ورد هذا الخبر، ومنهم من لا يخاف عليه كحديث أنس وحديث نعم المال الصالح للرجل الصالح، فكان المصطفى صلى اللّه عليه وسلم يخاطب كل إنسان بما [ص 130] يصلحه ويليق به فسقط قول الداودي هذا الحديث باطل إذ كيف يصح وهو صلى اللّه عليه وسلم يحث على النكاح والتماس الولد وكيف يدعو لخادمه أنس بما كرهه لغيره. قال الغزالي: من لم يسلك طريق الآخرة أنس بالدنيا وأحبها فكان له ألف محبوب فإذا مات نزلت به ألف مصيبة دفعة واحدة لأنه يحب الكل وقد سلب عنه بل هو في حياته على خطر المصيبة بالفقر والهلاك. وحمل إلى ملك قدح مرصع بجوهر لا نظير له ففرح به وبعض الحكماء عنده فقال: كيف ترى فقال: أراه مصيبة إن انكسر أو فقر كان مصيبة وإن سرق كنت فقيراً إليه وقد كنت قبل حمله إليك في أمن من المصيبة والفقر فاتفق أنه انكسر فأسف الملك وقال ليته لم يحمل إلينا. - (ه عن عمرو بن غيلان) بن سلمة (النقفي) قال الحافظ ابن حجر مختلف في صحبته. قال المؤلف في فتاويه وبقية رجاله ثقات (طب عن معاذ بن جبل) قال الهيثمي وفيه عمرو بن واقد وهو متروك انتهى وسبقه في الميزان فقال عمرو بن واقد قال البخاري منكر الحديث والدارقطني متروك والنسائي يكذب ثم ساق من مناكيره أخباراً هذا منها. 1500 - (اللّهم من آمن بك) أي صدق بأنك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك (وشهد أني رسولك) إلى الثقلين (فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك) فيتلقاك بقلب سليم وخاطر منشرح ولا ينهمك في شيء من قضائك ويعلم أنه ما من شيء قدرته إلا وله وفيه خيور كثيرة دينية فيحسن ظنه بك (وأقلل له من الدنيا) أي من زهرتها وزينتها ليتجافى بالقلب عن دار الغرور ويميل به إلى دار الخلود (ومن لم يؤمن ويشهد أني رسولك فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وكثر له من الدنيا) وذلك هو غاية الشقاء فإن مواتاة النعم على وفق المراد من غير امتزاج ببلاء ومصيبة يورث طمأنينة القلب إلى الدنيا وأسبابها حتى تصير كالجنة في حقه فيعظم بلاؤه عند الموت بسبب مفارقته وإذا كثرت عليه المصائب انزعج قلبه عن الدنيا ولم يسكن إليها ولم يأنس بها فتصير كالسجن له وخروجه منها غاية اللذة كالخلاص من السجن.
|